سورة القصص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَخَرَجَ مِنْهَا} أي من المدينةِ {خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} لحوقَ الطَّالبينَ {قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} خلِّصنِي منهم واحفظنِي من لُحوقِهم.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ} أي نحوَ مدينَ وهي قريةُ شُعيبٍ عليه السَّلامُ سميت باسمِ مدينَ بنِ إبراهيمَ ولم تكُن تحتَ سلطانِ فرعونَ وكان بينها وبين مصرَ مسيرةُ ثمانيةِ أيَّامٍ {قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} توكلاً على الله تعالى وثقةً بحُسنِ توفيقِه وكان لا يعرفُ الطرقَ فعنَّ له ثلاثُ طرائقَ فأخذَ في الوسطى وجاء الطلابُ فشرعُوا في الأُخريين وقيل: خرجَ حافياً لا يعيشُ إلا بورقِ الشَّجرِ فما وصلَ حتَّى سقطَ خفُّ قدمِه وقيل: جاء مَلَكٌ على فرسٍ وبيدِه عنزَةٌ فانطلقَ به إلى مدينَ.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} أي وصلَ إليهِ وهو بئرٌ كانُوا يسقُون منها {وَجَدَ عَلَيْهِ} أي فوقَ شفيرِها {أُمَّةً} جماعةً كثيفةً {مّنَ الناس يَسْقُونَ} أي مواشيَهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} أي في موضعٍ أسفلَ منهم {امرأتين تَذُودَانِ} أي تمنعانِ ما معهما من الأغنامِ عن التقدمِ إلى البئرِ كيلا تختلطَ بأغنامِهم مع عدمِ الفائدة في التَّقدمِ {قَالَ} عليه السَّلام لهما حينَ رآهُما على ما هُما عليهِ من التَّأخرِ والذودِ {مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنُكما فيما أنتُما عليه من التَّأخرِ والذَّودِ ولم لا تباشرانِ السقيَ كدأبِ هؤلاءِ {قَالَتَا لاَ نَسْقِى حتى يُصْدِرَ الرعاء} أي عادتُنا أن لا نسقيَ حتَّى يصرفَ الرُّعاةُ مواشيَهم بعد ريّها عن الماءِ عجزاً عن مساجلتِهم وحذراً عن مخالطةِ الرجالِ لا أنا لا نسقي اليومَ إلى تلك الغايةِ، وحذفُ مفعولِ السَّقيِ والذَّودِ والإصدارِ لمَا أنَّ الغرضَ هو بيانُ تلك الأفعالِ أنفسِها إذْ هي التي دعتْ مُوسى عليه السَّلامُ إلى ما صنعَ في حقِّهما من المعروفِ فإنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام إنَّما رحمَهما لكونِهما على الذيادِ للعجزِ والعفَّةِ وكونِهم على السقيِ غيرَ مُبالين بهما وما رحمهما لكونِ مذودِهما غنماً ومسقيهم إبلاً مثلاً. وقرئ: {لا نُسقي} من الإسقاءِ ويَصدُر من الصُّدورِ والرُّعاء بضمِّ الرَّاءِ وهو اسمُ جمعٍ كالرُّحالِ وأما الرِّعاءِ فجمعٌ قياسيٌّ كصِيامٍ وقِيامٍ. وقولُه تعالى: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} إبلاءٌ منهما للعُذرِ إليه عليه السَّلامُ في تولِّيهما للسَّقيِ بأنفسِهما كأنَّهما قالتَا: إنَّا امرأتانِ ضعيفتانِ مستورتانِ لا نقدرُ على مُساجلةِ الرِّجالِ ومزاحمتِهم وما لنا رجلٌ يقومُ بذلكَ وأبُونا شيخٌ كبيرُ السنِّ قد أضعفَه الكبرُ فلا بدَّ لنا من تأخيرِ السَّقيِ إلى أنْ يقضي النَّاسُ أوطارَهم من الماءِ {فسقى لَهُمَا} رحمةً عليهما والكلامُ في حذفِ مفعولِه كما مرَّ آنِفاً. رُوي أنَّ الرُّعاةَ كانُوا يضعونَ على رأسِ البئرِ حَجَراً لا يُقلُّه إلا سبعةُ رجالٍ وقيل: عشرةُ وقيل: أربعون وقيل: مائةٌ فأقلَّه وحدَهُ مع ما كان به من الوصبِ والجراحةِ والجوعِ ولعلَّه عليه الصَّلاة والسَّلام زاحمَهم في السَّقيِ لهما فوضعُوا الحجرَ على البئرِ لتعجيزِه عليه الصَّلاة والسَّلام عن ذلكَ فإنَّ الظاهرَ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام غبَّ ما شاهدَ حالَهما سارعَ إلى السَّقيِ لهُما وقد رُوي أنَّه دفعهم عن الماءِ إلى أنْ سقى لهُما وقيل: كانت هناك بئرٌ أُخرى عليها الصَّخرةُ المذكورةُ.
ورُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سألَهم دَلْواً من ماءٍ فأعطَوه دلوهُم وقالُوا: استقِ بها وكان لا ينزعُها إلا أربعون فاستقَى بها وصبَّها في الحوضِ ودعا بالبركةِ، ورَوى غنمَهما وأصدرَهما {ثُمَّ تولى إِلَى الظل} الذي كانَ هُناك {فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ} أيْ أيَّ شيءٍ أنزلتَهُ إليَّ {مّنْ خَيْرٍ} جلَّ أو قلَّ وحملَه الأكثرونَ على الطعامِ بمعونةِ المقامِ {فَقِيرٌ} أي محتاجٌ ولتضمُّنِه معنى السُّؤالِ والطَّلبِ جيءَ بلامِ الدعامةِ لتقويةِ العملِ، وقيل المَعنى لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ عظيمٍ هو خيرُ الدارينِ صرتُ فقيراً في الدُّنيا لأنَّه كانَ في سَعَةٍ من العيشِ عندَ فرعونَ قاله عليه الصَّلاة والسَّلام إظهاراً للتبجحِ والشُّكرِ على ذلك.


{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا} قيل هي كُبراهما واسُمها صفُوراءُ أو صفراءُ وقيل: صُغراهما واسمُها صُفيراءُ أي جاءتْهُ عقيبَ ما رَجَعتا إلى أبيهما. رُوي أنَّهما لما رجعتَا إلى أبيهما قبلَ النَّاسِ وأغنامُهما حُفلٌ بطانٌ قال لُهما ما أعجلَكُما قالتَا وجدنَا رجلاً صالحاً رحمنَا فسقَىَ لنا فقالَ لإحداهُما اذهبي فادعيِه لي. وقولُه تعالى: {تَمْشِى} حالٌ من فاعل جاءتْ. وقوله تعالى: {عَلَى استحياء} متعلقٌ بمحذوفٍ هو حالٌ من ضميرِ تمشي أي جاءتْه تمشِي كائنةً على استحياءٍ فمعَناهُ أنَّها كانتْ على حالتي المَشي والمجيءِ معاً لا عندَ المجيءِ فقط. وتنكيرُ استحياءٍ للتفخيمِ، قيل جاءتْه متخفرةً أي شديدةَ الحياءِ وقيل قد استترتْ بكُمِّ دِرعِها {قَالَتْ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ مجيئِها إيَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام كأنَّه قيلَ فماذا قالتْ له عليه الصَّلاة والسَّلام فقيلَ قالتْ {إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} أي جزاءَ سقيكَ لنا أسندتِ الدَّعوةَ إلى أبيها وعلَّلتها بالجزاءِ لئلاَّ يُوهمَ كلامُها ريبةً. وفيهِ من الدِّلالةِ على كمالِ العقلِ والحياءِ والعفَّةِ ما لا يخَفْى. رُوي أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أجابَها فانطلَقا وهي أمامه فألزقتِ الرِّيحُ ثوبَها بحسدِها فوصفتْهُ فقال لها أمشِي خلفي وانعَتي لي الطريقَ ففعلتْ حتَّى أتيا دارَ شُعيب عليهما السَّلامُ {فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي ما جَرى عليهِ من الخبرِ المقصُوصِ فإنَّه مصدرٌ سُمِّيَ به المفعولُ كالعللِ.
{قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} الذي يلوحُ من ظاهرِ النَّظْمِ الكريمِ أنَّ موسى عليه السَّلام إنَّما أجابَ المستدعيةَ من غيرِ تلعثُمٍ ليتبرَّكَ برؤيةِ شعيبٍ عليه السَّلام ويستظهرَ برأيهِ لا يأخذَ بمعروفِه أجراً حسبَما صرَّحتْ به. ألا يُرى إلى ما رُوي أنَّ شُعيباً لما قدَّمَ إليه طعاماً قال إنَّا أهلُ بيتٍ لا نبيع ديننا بطِلاعِ الأرضِ ذهباً ولا نأخذُ على المعروفِ ثمناً ولم يتناولْ حتَّى قال شُعيبٌ عليه السَّلام: هذهِ عادتُنا مع كلِّ مَن ينزلُ بنا فتناولَ بعد ذلكَ على سبيلِ التقبلِ لمعروفٍ مُبتدأٍ كيف لا وقد قصَّ عليه قصصَهُ وعرَّفَهُ أنَّه من بيتِ النُّبوةِ من أولادِ يعقوبَ عليه السَّلامِ ومثله حَقيقٌ بأنْ يُضيَّفَ ويكرَّمَ لا سيَّما في دارِ نبيَ من أنبياءِ الله تعالى عليهم الصَّلاة والسَّلام وقيل ليس بمستنكرٍ منه عليه الصَّلاة والسَّلام أن يقبلَ الأجرَ لاضطرارِ الفقرِ والفاقةِ. وقد رُوي عن عطاءِ بن السَّائبِ أنَّه عليهِ السَّلامُ رفعَ صوتَهُ بدعائِه ليُسمَعها ولذلك قيلَ له ليجزَيك إلخ ولعلَّه عليه السَّلام إنَّما فعلَه ليكونَ ذريعة إلى استدعائِه لاستيفاء الأجرِ.


{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} وهي التي استدعتْهُ إلى أبيها وهي التي زوَّجها مِن موسى عليهما السَّلام {إِحْدَاهُمَا ياأبت استجره} أيْ لرعي الغنمِ والقيامِ بأمرِها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الامين} تعليلٌ جارٍ مجرى الدِّليلِ على أنَّه حقيقٌ بالاستئجارِ، وللمبالغةِ في ذلكَ جُعل خيرَ اسماً لأنَّ، وذُكر الفعلُ على صيغةِ الماضي للدِّلالةِ على أنَّه أمينٌ مجرَّبٌ رُوي أنَّ شُعيباً عليهِ السَّلامُ قال لهَا وما أعلمكِ بقوَّتِه وأمانتِه فذكرتْ ما شاهدتْ منه عليه السَّلام من إقلالِ الحجر ونزعِ الدَّلِو وأنَّه صوَّبَ رأسه حتَّى بلَّغتْهُ رسالتَه وأمَرها بالمشي خلفَهُ {قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِى} أي تكونَ أجيراً لي أو تثيبني من أجرتُ كذا إذا أثبتُه إيَّاه، فقولُه تعالى: {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} على الأولِ ظرفٌ وعلى الثَّاني مفعولٌ به على تقديرِ مُضافٍ أي رِعيةَ ثماني حججٍ. ونُقل عن المبرِّدِ أنَّه يُقال أجرتُ داري ومملوكي غيرَ ممدودٍ وآجرتُ ممدوداً. والأولُ أكثرُ، فَعلَى هذا يكون المفعولُ الثَّاني محذوفاً والمعنى على أنْ تأجرنِي نفسَك، وقولُه تعالى ثماني حججٍ ظرفٌ كالوجِه الأولِ: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} في الخدمةِ والعملِ {فَمِنْ عِندِكَ} أي فهوُ مِن عندك بطريقِ التَّفضلِ لا من عندِي بطريقِ الإلزامِ عليك. وهذا من شُعيبٍ عرضٌ لرأيه على مُوسى عليهما السَّلام واستدعاءٌ منه للعقدِ لا إنشاءٌ وتحقيقٌ له بالفعل. {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} بالزامِ إتمامِ العشرِ أو المُناقشةِ في مُراعاةِ الأوقاتِ واستيفاءِ الأعمالِ. واشتقاقُ المشقةِ من الشقِّ فإنَّ ما يصعبُ عليك يشقُّ عليك اعتقادُك في إطاقته ويوزعُ رأُيك في مزاولتِه. {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين} في حُسنِ المعاملةِ ولينِ الجانبِ والوفاءِ بالعهدِ. ومراده عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالاستثناءِ التبرُّكُ بهِ وتفويضُ أمرِه إلى توفيقِه تعالى لا تعليقُ صلاحِه بمشيئتِه تعالى.
{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ} مبتدأُ وخبرٌ أي ذلكَ الذي قلتَهُ وعاهدتِني فيه وشارطتِني عليه قائمٌ وثابتٌ بينَنا جميعاً لا يخرجُ عنه واحدٌ منَّا لا أنَا عمَّا شرطتُ علي ولا أنتَ عمَّا شرطتَ على نفسِك. وقولُه تعالى: {أَيَّمَا الاجلين} أي أكثرَهما أو أقصرَهما {قُضِيَتُ} أي وفيتكَهُ بأداءِ الخدمةِ فيه {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} تصريحٌ بالمرادِ وتقريرٌ لأمرِ الخيرةِ أي لا عُدوانَ عليَّ بطلبِ الزيادةِ على ما قضيتُه من الأجلينِ. وتعميمُ انتفاءِ العُدوانِ لكلا الأجلين بصددِ المُشارطةِ مع عدمِ تحققِ العُدوانِ في أكثرِهما رأساً للقصدِ إلى التَّسويةِ بينهما في الانتفاءِ أي كما لا أطالبُ بالزيادةِ على العشرِ لا أطالبُ بالزيادةِ على الثمانِ أو أيَّما الأجلينِ قضيتُ فلا إثمَ عليَّ يعني كما لاَ إثمَ عليَّ في قضاءِ الأكثرِ لا إثمَ عليَّ في قضاءِ الأقصرِ فقطْ. وقرئ: {أيَّ الأجلينِ} ما قضيتُ فمَا مزيدةٌ لتأكيدِ القضاءِ كما أنَّها في القراءةِ الأُولى مزيدةٌ لتأكيدِ إبهامِ أيَ وشياعِها.
وقرئ: {أيْما} بسكونِ الياءِ كقولِ مَن قال:
تنظَّرتُ نصراً والسماكينِ أيْهما *** عليَّ من الغيثِ استهلتْ مواطرُه
{والله على مَا نَقُولُ} من الشُّروطِ الجاريةِ بيننا {وَكِيلٌ} شاهدٌ وحفيظٌ فلا سبيلَ لأحدٍ منَّا إلى الخروجِ عنه أصلاً وليس ما حُكي عنهما عليهما الصَّلاة والسَّلام تمامَ ما جرى بينهما من الكلامِ في إنشاءِ عقدِ النِّكاحِ وعقدِ الإجارةِ وإيقاعِهما بل هُو بيانٌ لما عزما عليه واتفقا على إيقاعه حسبما يتوقفُ عليه مساقُ القصَّةِ إجمالاً من غيرِ تعرضٍ لبيانِ مواجبِ العقدينِ في تلك الشريعةِ تفصيلاً. رُوي أنَّهما لمَّا أتمَّا العقدَ قال شعيبٌ لموسى عليهما السَّلام ادخُلْ ذلكَ البيتَ فخُذ عصاً من تلكَ العصيِّ وكانت عنده عِصِيُّ الأنبياءِ عليهم الصَّلاة والسَّلام فأخذَ عصا هبطَ بها آدمُ عليه الصَّلاة والسَّلام من الجنَّةِ ولم يزلِ الأنبياءُ يتوارثونَها حتَّى وقعتْ إلى شُعيبٍ عليه السَّلام فمسَّها وكان مكفوفاً فضنَّ بها فقال خُذ غيرَها فما وقعَ في يده إلا هي سبعَ مرَّاتٍ فعلم أنَّ له شأناً وقيل: أخذَها جبريلُ عليه السَّلام بعد موتِ آدمَ عليه السَّلام فكانتْ معه حتَّى لقَي بها مُوسى عليه السَّلام ليلاً. وقيل: أودعها شعيباً ملَكٌ في صورةِ رجلٍ فأمرَ بنتَه أنْ تأتيَه بعصا فأتتْهُ بها فردَّها سبعَ مرَّاتٍ فلم يقعْ في يدها غيرُها فدفعَها إليه ثم ندِمَ لأنَّها وديعةٌ فتبعَه فاختصَما فيها ورضيا إنْ يحكمَ بينهما أولُ طالعٍ فأتاهُما المَلكُ فقالَ ألقياها فمَن رفعَها فهَي له فعالَجها الشَّيخُ فلم يُطِقْها ورفعَها مُوسى عليه السَّلام. وعن الحسنِ رضي الله عنه: ما كانتْ إلا عصاً من الشَّجرِ اعترضها اعتراضاً. وعن الكلبيِّ رحمه الله: الشَّجرةُ التي منها نُوديَ شجرةُ العَوسجِ ومنها كانت عصاهُ. ولمَّا أصبحَ قال له شُعِيبٌ صلواتُ الله وسلامُه عليهما إذا بلغتَ مفرقَ الطَّريقِ فلا تأخذْ على يمينكَ فإنَّ الكلأَ وإنْ كانَ بها أكثرَ إلاَّ أنَّ فيها تِنِّيناً أخشاهُ عليكَ وعلى الغنم فأخذتِ الغنمُ ذاتَ اليمينِ فلم يقدرْ على كفِّها ومشَى على أثرِها فإذا عشبٌ وريف لم يرَ مثلَه فنامَ فإذا بالتنِّينِ قد أقبل فحاربتْهُ العَصا حتَّى قتلتْهُ وعادتْ إلى جنبِ مُوسى عليه السَّلامُ داميةً فلما أبصرَها داميةً والتنِّينَ مقتولاً ارتاحَ لذلك ولما رجعَ إلى شُعيبٍ عليهما السَّلامُ مسَّ الغنمَ فوجدَها ملأى البُطونِ غزيرةَ اللبنِ فأخبرَه مُوسى عليه السَّلام بالشَّأنِ ففرحَ وعلَم أنَّ لموسى والعصا شأناً وقال له: إنِّي وهبتُ لك من نتاجِ غنمي هذا العامِ كلَّ أدرعَ. ودرعاءَ فأُوحي إليه في المنام أن اضربْ بعصاك مُستقى الغنمِ ففعلَ، ثم سقَى فما أخطأتْ واحدةٌ إلا وضعت أَدرعَ ودرعاءَ فوفَّى له بشرطِه.
والفاءُ في قولِه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8